ما فعله النيل بالمنوفية.. 798 فدانًا غارقًا بين رواية المزار

ما فعله النيل بالمنوفية.. 798 فدانًا غارقًا بين رواية المزار

اخبار مصر



12:12 ص


الثلاثاء 15 أبريل 2025

المنوفية – محمد طه – أحمد الباهي:

في توقيت غير متوقع، وبينما ينتظر المزارعون موسم الحصاد واقتراب ذروة الاحتياجات المائية، ارتفع منسوب مياه نهر النيل هذا الأسبوع ليغمر مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية في محافظة المنوفية، مخلفةً وراءها خسائر فادحة ومأساة إنسانية لمئات الأسر التي تعتمد على هذه الأراضي كمصدر رزق وحيد.

الارتفاع المفاجئ في منسوب النيل، الذي ضرب مساحة 798 فدانًا وثمانية قراريط حتى يوم الأحد الماضي، موزعة على مراكز (أشمون 615 فدانًا و8 قراريط، منوف 32 فدانًا، السادات 109 أفدنة، الشهداء 42 فدانًا)، لم يأتِ في موسم ارتفاع المنسوب المعتاد (أغسطس-أكتوبر)، وقد أثار هذا العديد من التساؤلات عما حدث في أراضي طرح النهر، وأشعل الجدل حول إدارة المياه والوضع القانوني لهذه الأراضي.

كيف بدأت أزمة النيل في المنوفية؟

بدأت خيوط الأزمة مع إنذارات أطلقتها وزارة الموارد المائية والري يوم 10 أبريل الجاري، حذرت فيها من زيادة متوقعة في تصرفات المياه نتيجة ارتفاع منسوب النيل، بينما طالبت المزارعين في أراضي طرح النهر بالاستعداد. لكن، وبحسب شهادات المتضررين، فاقت سرعة تدفق المياه وقوتها كل التوقعات، لتغمر الأراضي المنخفضة بسرعة، محولةً حقولًا كانت على وشك الحصاد إلى برك من المياه والطين، ومقدرةً الخسائر المادية الأولية بملايين الجنيهات وفق تقديرات الوحدات المحلية.

“المية طلعت الأرض والمحصول تلف”

على أرض الواقع، تتجسد الأزمة في شهادات المزارعين. يحكي عبد الحكيم محمد، أحد المزارعين المتضررين في قرية ساقية المنقدي بمركز أشمون، فيقول: “المية طلعت الأرض ومحصول السمسم تلف”.

عبد الحكيم شاهد محصوله ومشروعه الوحيد يفسد أمام عينيه وهو عاجز عن فعل أي شيء لإنقاذه، لتضيع تكاليف الزراعة ويبقى هو مُطالبًا بتسديد الإيجار السنوي للأرض الذي يدفعه لوزارة الري.

“في السابق كانت هناك مواعيد لارتفاع المنسوب يحذر منها الأهالي ويتجنبون وقتها زراعة محاصيل طويلة الأمد، لكن الآن المياه ترتفع دون سابق إنذار بوقت كافٍ أثناء الزراعة مما يفقدهم ميزة حسن التصرف ويجعلهم عُرضة لصدف غير سعيدة”؛ يضيف عبد الحكيم، مشيرًا إلى تغير مقلق في نمط ارتفاع المنسوب.

يقول مزارع آخر من القرية نفسها: “أنا ما حيلتيش شغلانة تانية وشغلتي فلاح أزرع وأقلع”. يزرع هذا الفلاح محاصيل قصيرة المدة كالبرسيم لتجنب الخسائر الكبيرة، “لكن بردو غرقتها المية، ومش هلاقي حاجة المواشي تاكلها ولا حتى زرعة أبيعها، وآخر السنة هدفع 7 أو 8 آلاف جنيه، أجيبهم منين؟”. ويبدي اندهاشًا أيضًا من التوقيت، فيقول: “ياريت عارفين ميعاد ارتفاع المنسوب قبل ما نزرع، نفسنا بس نعرف لو الحال هيستمر خراب علينا هنسيب الأرض لمنفعة النهر ونرحل نشوفلنا شغلة تانية، ولو الحكاية طارئة ياريت المسؤولين يعوضونا أو حتى يعفونا من إيجار السنة دعم لينا في الخسارة دي”.

المعاناة تمتد لقرى أخرى، فالحاج عاطف محمود من قرية دلهمو بأشمون يتحدث عن بيوت غمرتها المياه وأجبرت سكانها على تركها، “ولما نحب نطل عليها بنروح ليها بالمراكب”. يصف حال أرضه قائلًا: “كل ما نزرع زرعة المية تطلع تاكلها”، مشيرًا إلى تلف محصولي الفاصوليا والبرسيم، وتبدد أحلامه بزراعة محاصيل ذات عائد أعلى مثل الموز والعنب بسبب طبيعة الأرض المعرضة للغرق.

خبير مياه يشكك: ارتفاع “غير مبرر” في توقيت حرج

في مقابل الرواية الرسمية الأولية التي عزت الأمر لارتفاع المنسوب المتعارف عليه في أراضي طرح النهر، يطرح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، تساؤلات جدية حول مبررات هذا الارتفاع وتوقيته.

وعبر صفحته على فيسبوك، يعلق شراقي على غرق مئات الأفدنة، معبرًا عن دهشته لحدوث ذلك الآن وليس في موسم ارتفاع المنسوب المعتاد. يقول مع إقراره بالكفاءة التاريخية لمدرسة الري المصرية التي يرجع إنشائها إلى منتصف القرن التاسع عشر ونشهد لها بالجهد الكبير في إدارة منظومة الري وإقامة المشروعات المائية العملاقة وعلى رأسها السد العالي ومجموعة القناطر: “فوجئنا بخبر غرق بعض أراضي طرح النهر وهذا معتاد في أوقات ارتفاع المنسوب (غالبا سبتمبر – أكتوبر) عند ارتفاع منسوب بحيرة ناصر إلى الحد الأقصى، وليس في الربع الأخير من نهاية السنة المائية”.

ويتساءل الخبير بشكل مباشر: “هل ارتفاع المنسوب يرجع لزيادة المنصرف من السد العالي أم أن هناك مشكلة فنية أدت إلى ذلك؟.. هل هذا جزء من الاستعداد لاستقبال مياه سد النهضة؟”.

ويرى شراقي أن الأوضاع الحالية، سواء في سد النهضة أو السد العالي، “لا تدعو إلى زيادة التدفق من بحيرة ناصر بهذا الشكل”، خاصةً وأن مصر مقبلة على موسم أقصى الاحتياجات المائية الذي يتزامن مع زراعة الأرز ويزداد فيه السحب من بحيرة ناصر. ويؤكد وجود طرق فنية عديدة “يعلمها المتخصصون جيدًا للحفاظ على منسوب نهر النيل”.

ويخلص شراقي إلى أن هذا الغرق “غير مبرر”، وأن الإدارة الرشيدة للمياه يفترض ألا تشكل خطرًا في الوقت الحالي أو مستقبلًا، مطالبًا بضرورة “تعويض أي مزارع غرقت أرضه”.

“الري” توضح: غمر “طبيعي” لأراضي الطرح.. ومملوكة للوزارة

أمام هذه التساؤلات ومعاناة المزارعين، قدم المهندس محمد غانم، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري، الرؤية الرسمية للوزارة. ففي مداخلة هاتفية مع برنامج “على مسئوليتي” عبر شاشة “صدى البلد” مساء الأحد، أكد غانم أن ما حدث هو “غمر لبعض الأراضي الزراعية وهي أراضٍ طرح النهر”.

وشرح غانم طبيعة هذه الأراضي قائلًا إنها “جزء من القطاع المائي لمجرى نهر النيل ويُطلق عليها السهل الفيضي لنهر النيل، وبالتالي فهي ليست أراضي خارج نهر النيل غُمرت بالمياه”. وعليه، أوضح أنه “في حال حدوث ارتفاع في مناسيب المياه في المجرى فإن هذه الأراضي تغمر بالمياه، وهو أمر طبيعي ويحدث بشكل سنوي”.

وأشار المتحدث باسم الوزارة إلى أن هذا الأمر “طبيعي بالنسبة لأراضي طرح النهر وهو ما يعلمه المزارعون جيدًا”، موضحًا أن هناك فترات تكون فيها المناسيب منخفضة (مثل الشتاء حيث تقل الاحتياجات المائية) فتظهر الأراضي وتُزرع، وفترات أخرى ترتفع فيها المناسيب فتغمرها المياه.

وحول الجدل القانوني، أكد غانم أنه بالفعل “يُسمح للمواطنين بمقابل مادي زراعة هذه الأراضي”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أنه “طبقًا للقانون فهذه الأراضي مملوكة لوزارة الموارد المائية والري لأنها جزء من مجرى النهر”.

وهو الأمر الذي أكده أيضًا وكيل وزارة الزراعة في المحافظة، قائلًا إن بعض الفلاحين الذين يحملون “حيازة مؤقتة” للأراضي الزراعية، يقومون باستخدام هذه الحيازة كغطاء قانوني للحصول على تمويل من تموين الأرض (مثل الأسمدة الكيماوية)، وهو ما يعد مخالفة ضمنية. وأوضح أن هؤلاء الفلاحين يدفعون مبلغ 250 جنيهًا عن كل قيراط للحصول على هذه المواد المدعومة، مما يعكس استغلالًا للمسؤوليات القانونية.

وبينما أكد تفهم الوزارة للأضرار التي لحقت بالمزارعين “نتفهم الأضرار التي تكبدها هؤلاء المزارعون” والحرص على الأرض “حتى لو كانت هذه الأراضي منزرعة بالمخالفة”، برر غانم إدارة التصرفات المائية الحالية بأن الوزارة “تحسب التصرفات التي تخرج من السد العالي إلى مجرى نهر النيل الرئيسي”، وأنها “عملية فنية لها الكثير من الأبعاد بحيث تضمن تهيئة الأراضي لفترة أقصى الاحتياجات المائية التي تكون في فترة الصيف”.

سيناريو يتكرر.. ولكن بقلق متزايد من تغير الأنماط

تقع محافظة المنوفية في قلب دلتا النيل، وتعتمد بشكل كبير على الزراعة. وظاهرة غرق أراضي طرح النهر، وإن كانت معروفة تاريخيًا في موسم ارتفاع المنسوب السنوي (أغسطس-أكتوبر)، إلا أن تكرارها في السنوات الأخيرة (2020، 2022 بخسائر بلغت 775 فدانًا) وحدوثها الآن في أبريل، يثير قلق المزارعين ويدعم التساؤلات حول تغير الأنماط والأسباب الفنية.

اقرا من المصدر

#ما #فعله #النيل #بالمنوفية. #فدانا #غارقا #بين #رواية #المزار

اخبار مصر لحظة بلحظة

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *