«الأيقونة» فريدة فهمي: عروض فرقة رضا الاستعراضية أضاءت مسارح العالم (حوار) – تحقيقات وملفات

«الأيقونة» فريدة فهمي: عروض فرقة رضا الاستعراضية أضاءت مسارح العالم (حوار) – تحقيقات وملفات

اخبار مصر



انتهت الفنانة الكبيرة فريدة فهمى، أيقونة «فرقة رضا» للفنون الشعبية، وملكتها المتوجة، مؤخراً، من إصدار مذكراتها باللغة الإنجليزية، على أن تصدر نسخة مترجمة للغة العربية خلال الفترة القليلة المقبلة، حيث تسعى الفنانة الكبيرة، من خلال هذه المذكرات، إلى توثيق مسيرتها الفنية والإنسانية، إضافة إلى مسيرة فرقة رضا، أول فرقة للفنون الشعبية فى مصر، وصاحبة الإبداع غير المسبوق، فى مسيرة فنية تمتد لما يقرب من 70 عاماً، تتماس مع فترات ازدهار وتراجع الثقافة المصرية، سنوات طوال، تأثرت خلالها الفرقة، وبالتالى «فريدة» نفسها بمختلف التحولات الاجتماعية.

«محمود» الأب الروحي للفرقة.. و«على» مات «زعلان».. وجمعنا تراث مصر من الصعيد وسيوة والدلتا.. وأمي كانت سيدة ثرية بالأفكار وتقدم لنا الاستشارات المفيدة

رغم ظهورها النادر فى وسائل الإعلام وابتعادها عن الأضواء، اختصت الفنانة فريدة فهمى «الوطن» بهذا الحوار، الذى تحدثت فيه بكل صدق وعفوية، تروى «فريدة» أو «ميلدا» حكايات الحب والفن والثقافة، تتحدث عن عائلتَى «رضا» و«فهمى»، ودور كل منهما فى إبداعات الفرقة على مدار عقود، خاصةً أيام مجد الفرقة «وحلاوة شمسها»، وأيام تراجعها.

كما تحدثت عن والدها الدكتور حسن فهمى، الأستاذ الجامعى، الذى شجّع ابنته على احتراف الرقص، وعن محمود رضا «الفنان والأخ والأستاذ»، الذى وصفته بأنه «الأب الروحى» للفرقة، وكذلك عن على رضا، الزوج والحبيب، وعن ظروف وفاته، وكذلك تحدثت عن والدتها الإنجليزية، التى أسلمت، وأصبح اسمها «خديجة»، وعن شقيقتها «نديدة»، التى رحلت فى ريعان شبابها.

الفنانة الكبيرة تفتح قلبها لـ«الوطن»: تلقيت تكريماً من الرئيس «عبدالناصر» وعمرى 24 سنة.. وتكريمي من الرئيس السيسي «حُسن الختام»

كما استعرضت «ملكة فرقة رضا» بعض ذكرياتها عن جولات فرقة الرقص الشعبى الأولى فى مصر، وكواليس العروض التى قدمتها على أكبر مسارح العالم، وتذكرت أول تقدير رفيع نالته من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بينما كان عمرها لا يتجاوز 24 عاماً، وحتى تكريمها من الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وفيما يلى تفاصيل الحوار.

فى البداية، لماذا أنت مُقلة فى الظهور الإعلامى؟

– لا أسعى للظهور الإعلامى، ولا أريد فرض نفسى على الناس، وأنا متشبعة بالشهرة، وأعتبر نفسى تراثاً، وطوال حياتى لم أكن أسعى للشهرة، والفترة التى قضيتها فى العرض والرقص مع فرقة رضا فى كل مكان وحول العالم، كانت لإشباع رغبة فنية فى الرقص، ولم يكن جرياً وراء الشهرة، ولا أحب الظهور فى البرامج التليفزيونية، فأنا على المعاش، وتوقفت عن الرقص، وبطبعى لا أحب كثرة الكلام، ولا أحب الأسئلة الغبية من قبيل: «كيف نشأت فرقة رضا؟».

ما كواليس ظهور مذكراتك باللغة الإنجليزية مؤخراً؟

– فى البداية، فريدة فهمى ومحمود رضا من الشخصيات المعروفة جداً فى الخارج وبشكل واسع، وسمعة فرقة رضا للفنون الشعبية معروفة حول العالم، خاصةً فى دراسة وتقديم مجالات متنوعة فى الرقص، وهناك العديد من المدارس التى تنتهج أسلوب فرقة رضا، ولنا جمهور كبير حول العالم، ولى صديقة أسترالية، اسمها كيتى شريف، لديها مدرسة لتعليم الرقص، وعاشت فترة فى مصر، وهى دائمة التردد على زيارة مصر، وكثيراً ما تنظم لأصدقائها زيارات لمصر، وهى شخصية عملية ونشيطة ومخلصة، وقبل كتابة المذكرات بسنوات، أنشأت موقعاً رسمياً كنت أنشر عليه مقالاتى بالإنجليزية، ثم طرحت علىّ فكرة كتابة المذكرات، وعقدنا جلسات عمل، وكانت متحمسة جداً للموضوع، كما كانت تجازف بالسفر بين مصر وعدة بلدان أخرى، وبالفعل كتبت أنا النص بالإنجليزية، واستعنت بمتخصصة فى التحرير الأدبى من أستراليا لضبط الكتاب، ثم تولت بنفسها مهمة النشر فى طباعة فاخرة بالألوان، كما تولت التوزيع، ومن المقرر أن يتم ترجمة الكتاب إلى خمس لغات، كما ستتم ترجمته إلى اللغة العربية قريباً.

ما أبرز المواقف التى كنت تحرصين على الحديث عنها عند كتابة مذكراتك؟

– الكتاب يتضمن السيرة الذاتية لى، مكتوبة من القلب بشكل إنسانى، لأن عائلتَى «فهمى» و«رضا» لا تحبان التصنع، ونحن واقعيون، وتعرفت العائلتان فى زمن معين، كان من حسن حظى، وهذه الظروف، إلى جانب وجود المسرح، سهّل تحقيق هذه الطموحات، وظهور فن جديد، عرضنا فنون فرقة رضا من قلوبنا، ولذلك كتبت التجربة من قلبى بعفوية وتلقائية، وبدون محاولة للإبهار، وأظن الصدق هو أهم شىء فى فرقة رضا، الكذب أو التكلف سيكشف يوماً ما، ولن يدوم طويلاً، ونجاح المبدع يعتمد على مدى صدقه فيما يقدمه.

حدثينا عن تأثير العلاقة بين عائلتَى «فهمى» و«رضا» على حياتك.

– طوال عمرى أحيا فى رعاية ثلاثة رجال، هم أبى الدكتور حسن فهمى، الأستاذ بكلية الهندسة، وعلى رضا، زوجى وحبيبى، ومحمود رضا، الفنان والأستاذ، وهم كانوا بمثابة حراسة ودعم لى، بوجودهم لم أكن أحمل همّ شىء، أمارس شغفى وأرقص وأعود إلى البيت سعيدة، وأطهو الطعام وأتنزه مع زوجى، حياتى بسيطة بدون منغصات، وعندما تزوجت عشت مع أهلى، فقد كانت أمى مديرة البيت، وأنا كنت أعمل وأذاكر خلال دراستى الجامعية، لأن من ضمن اتفاقى مع والدى استكمال دراستى، حيث تزوجت على رضا أواخر 1958، وعمرى وقتها 18 سنة، وكنت فى المرحلة الثانوية، حصلت على الليسانس وأنا أرقص.

ماذا أخذتِ من الدكتور حسن فهمى؟

– أبى كان إنساناً مثقفاً جداً، وكان وطنياً جداً، وعنده بُعد نظر، ويتعامل بالمنطق، وعمل حسابه جداً أنه «يزغّطنا وطنية» وثقافة وحضارة مصر، علمنى كل شىء، ولا يوجد متحف فى مصر لم يأخذنا لزيارته، ونصحنى بقراءة تاريخ مصر والعالم بفهم ووعى من أكثر من منظور، لمعرفة الصورة الكاملة، ولتوسيع مداركى، وأخذت منه ومن أمى أحسن ما فيهما، يمكن القول «أنا كوكتيل مظبوط خالص»، كما أن أبى دوره مُهم أيضاً لفرقة رضا، معنوياً وثقافياً، وليس سهلاً عليه أن يكون أستاذ جامعة وابنته ترقص، وأنا أشبه بابا بـ«النسر» بالنسبة لفرقة رضا، كان فارداً جناحيه علينا كلنا، ولم يتدخل فى الفن، لكنه كان دائم الدعم لنا، وعلى قناعة تامة بجودة الفن الذى نقدمه، ولأن أبى كان أستاذاً كبيراً فى كلية الهندسة، فى بداية فرقة رضا سهّل لنا العرض على مسرح نقابة المهندسين، وعرضنا عدة شهور على هذا المسرح، قبل انضمام الفرقة للحكومة.

وماذا عن محمود رضا؟

– محمود رضا الفنان، هو أخى وأستاذى وزميلى، هو المصمم والمخرج، عاش كل حياته لفرقة رضا، محمود رضا هو «الأب الروحى» للفرقة، قدم إبداعات غير مسبوقة، وكان يعمل وفق منهج لتدريب الفرقة والراقصين، كان الراقص يتعلم مع محمود فى خلال 6 شهور، ما يمكن أن يتعلمه فى 3 سنوات مع غيره، ليصبح على درجة عالية من اللياقة والحرفية فى فترة وجيزة، وكنا فى المعتاد نتمرن بجدية 3 مرات أسبوعياً، على أن تزيد البروفات عند التجهيز للمشاركة فى مناسبة، وبعد خروجه للمعاش من وزارة الثقافة، كان يسافر للتدريس فى أماكن مختلفة من العالم، ولم أفهم كيف أُحيل إلى المعاش من دون تكريمه، وهو فنان كبير.

ما السر وراء نجاح فرقة رضا؟

– الصدق والجدية، قدمنا العروض من قلوبنا، قدمنا نوعية فن لم تكن موجودة من قبل، بما يتضمنه من عناصر كثيرة، موسيقى وكلام وحركة وتدريب وراقصين وملابس وإضاءة، وجميعنا لم نكن نبحث عن المال، بل عن القيمة الجمالية فى الفن، وكثيرون ممن كانوا معنا كانوا يفكرون بالطريقة نفسها، كنا جميعاً سعداء بما نقدمه.

قرار ضم الفرقة لوزارة الثقافة كان صائباً فى وقته ولكننا بدأنا نعانى الانهيار بسبب «الروتين»

هل قرار ضم فرقة رضا إلى وزارة الثقافة كان نوعاً من التأميم؟

– لا إطلاقاً، انضمام فرقة رضا للحكومة لم يكن أى نوع من التأميم، بل على العكس، ولم يكن ممكناً أن نستمر كفرقة خاصة، لأنه لم يكن لنا ممول، والفرقة تحتاج مصروفات كثيرة جداً للرقص وأوركسترا والملابس والديكور وتمرينات يومية وإيجار مسرح، واستمرار فرقة خاصة أمر شديد الصعوبة، وفى عام 1959 تم ضمنا إلى وزارة الثقافة، بشرط استقلال الإدارة، وقتها الدكتور عبدالقادر حاتم جاءنا، وكان من الواضح أنه من طرف الرئيس عبدالناصر، وقال: «عايزين نساعدكم، طلباتكم إيه؟»، وقد سعدنا جداً بذلك القرار الذى كان لصالح الفرقة، خصوصاً فى البداية، تمكنا من ضم أعضاء جدد للفرقة، وزاد عدد الراقصات، كما ارتفعت الأجور والبدلات، والملابس تحسنت، وتوافرت مسارح العرض للفرقة، وكنا نعرض أمام الرئيس عبدالناصر فى دار الأوبرا القديمة، وتم إنشاء البيت الفنى للفنون الشعبية من أجل ضم فرقة رضا، والفرقة القومية، والفرق الاستعراضية.

ما الفترة الذهبية لفرقة رضا منذ تأسيسها أواخر خمسينات القرن الماضى؟

– كنا أنا ومحمود وأبى نحب تطوير أنفسنا باستمرار، من خلال الاطلاع على ما تقدمه الفرق الفنية فى مختلف أنحاء العالم، وكذلك الفرق الفنية فى الداخل، «الفرقة كانت هى البطلة»، ونجحنا فى جمع تراث مصر من المحافظات المختلفة، من الصعيد إلى الدلتا وصولاً إلى سيناء فى الشرق وواحة سيوة غرباً، وكانت فترة عبدالناصر هى الفترة الذهبية للفرقة، وفى بداية انضمامنا لوزارة الثقافة، كانت أجور أعضاء الفرقة ممتازة، ورغم بعض الظروف فيما بعد، إلا أن الفرقة ظلت مُتوجة على القمة حتى أوائل الثمانينات.

كيف كان يتم تنظيم هذه الرحلات المهمة للمحافظات المختلفة؟

– فرقة رضا كانت تضم حوالى 120 عضواً، من الراقصين والفنانين، كنا نقوم برحلات وأبحاث ميدانية فى مختلف المحافظات، لجمع الأغانى الشعبية والرقصات التقليدية، فى الستينات سافرنا إلى الصعيد وأغلب محافظات مصر، وأخذنا رقصة «الحجالة» من مطروح، ورقصة «الدحية» من شمال سيناء، كنا نسافر مجموعة على رأسها محمود رضا، ولأنه كان إنساناً جميلاً، كان يحرص على اصطحاب الراقصين الأوائل، لكى يتعلموا توثيق الرقصات والأغانى بشكل جيد، خاصة أن توثيق الحركة يلزمه تسجيل الأغانى، وتصوير الرقصات على قدر المتاح، ووقتها أدوات التصوير والتسجيل كانت متواضعة، وخلال تسجيل رقصات وغناء السيدات، كنت أنا أدخل لهم دارهم، لأنهم وفقاً للتقاليد لا يرقصون أمام الرجال فكنت أنا أدخل للتسجيل، وأذكر أننى سجلت شريطاً كاملاً يضم أغانى «العتبة جزاز، وحط طوبة على طوبة، وآه يا لمونى، والطشت قالى» وغيرها، وسلمنا الشريط للملحن الجميل على إسماعيل، وعمل مجموعة متميزة من الأغانى الراقصة.

 فترة الستينيات العصر الذهبي للفرقة.. وفيلم «غرام فى الكرنك» سيبقى راسخاً فى أذهان الجمهور بسبب إبداعات الفرقة فيه

كيف استقبل الجمهور هذا الفن الجديد؟

– الجمهور استقبلنا بترحاب شديد، كنا نعرض فى دار الأوبرا القديمة أمام الرئيس عبدالناصر وضيوف مصر، كما قدّمنا عروضنا فى جميع المحافظات، كنا نسافر 60 فرداً ونعرض أمام الملوك والرؤساء على أشهر مسارح العالم، فترة الستينات كانت مزدهرة جداً، ليس للفرقة وحدها، بل للثقافة بأفرعها، وأنا أطلق على هذه الفترة «الرينسانس»، أى عصر النهضة، فقد كان لدينا مبدعون من الرسامين والكتاب والنحاتين.

بالإضافة إلى ازدهار فنون السينما والمسرح، وقد شاهد عروض الفرقة أكثر من 40 رئيس دولة وملكاً، داخل مصر وخارجها، تجولنا حول العالم فى ما يزيد على 50 دولة، منها بلاد سافرنا إليها عدة مرات، وقدمنا عروضنا على أكثر من 300 مسرح من أشهر مسارح العالم، منها مسرح «ستان اسكلافيسكى»، وهو مسرح مهم فى روسيا، ومسرح «الأولمبيا» فى باريس، قبل حفل أم كلثوم الشهير بالمسرح نفسه، وكتب عنا كبار الكتاب، منهم رجاء النقاش، ولطفى الخولى، وفتحى غانم، وكرمنى الرئيس عبدالناصر وأنا عمرى 24 سنة، صافحته وتسلمت منه وسام العلوم والفنون فى عام 1964.

لماذا لم تقدم الفرقة عملاً آخر بعد «غرام فى الكرنك»؟

– بعد «غرام فى الكرنك»، «على» كانت عنده أفكار ومشاريع، وحاول يقدم فيلماً آخر، لكنه لم يحصل على الموافقة من الجهات المسئولة وقتها، وحتى مهرجان القاهرة لم يكرم «على» من يوم الفيلم إلى الآن، و«على» مات «زعلان».

عدد كبير من الفنانين تركوا الفرقة بسبب الانفتاح واتجهوا للعمل بشكل منفرد بالفنادق وفى الخارج

كيف تأثرت الفرقة بالأوضاع التى شهدتها مصر أواخر الستينات والسبعينات؟

– بعد نكسة 1967، وجد المسئولون فى وزارة الثقافة أنها فرصة لتقليص البدلات المخصصة لفرقة رضا، ومع الوقت، زاد عدد موظفى الحكومة والوزارة، وبدأت معاناة الفرقة مع الروتين والموظفين، وشعرنا بأن الروتين يبتلع الفرقة، وبعد ذلك تحسنت أوضاع الفرقة بعض الشىء، ولكنها تأثرت مجدداً مع بداية الانفتاح الاقتصادى، وترك بعض الفنانين الفرقة للعمل فى الخارج، والحصول على مكتسبات مالية، وعندما تركت الفرقة فى عام 1983 ارتبكت الأوضاع أكثر، وكذلك عندما أحيل محمود رضا للمعاش فى 1993، بدون تكريم، تأثرت الفرقة بشكل بالغ.

حصلت على الماجستير وقدمت دروساً فى الرقص بمختلف دول العالم ووالدى كان «بيزغّطنا وطنية» ولا يوجد متحف فى مصر لم يأخذنا لزيارته

لماذا تركتِ الفرقة فى هذه الفترة؟

– أنا لم أعتزل، لأنى كنت موظفة فى وزارة الثقافة، ولكن سيطرة التيارات المتطرفة زادت على الوضع العام فى مصر أواخر السبعينات، وفى بداية الثمانينات، قال لى أبى هامساً: «سافرى أمريكا سنتين يا ميلدا»، دُهشت وقتها، لكننى عرفت أنه كان «عايز يخرّجنى»، لأنه كان عنده ذعر من سيطرة هذه التيارات المتطرفة على المجتمع، وكان يعرف أن الراقصين أكثر الناس عرضة «للبهدلة»، ولم أسافر وقتها، لكننى حصلت على إجازة من الفرقة.

وسافرت أمريكا أنا وأمى بالفعل فى 1983 بعد وفاة أبى، عند أقاربنا وأصدقائنا هناك لأننا صدمنا جميعا لموت أبى، ووجدت هناك فى إحدى الجامعات قسم «إثنولوجى»، وهو علم الأجناس، وكان ضمن دراسته كيفية رقص الشعوب المختلفة وتاريخه، ودرست الرقص فى إحدى الجامعات فى لوس أنجلوس، وحصلت على الماجستير خلال ثلاث سنوات، وكان «على رضا» يتردد على زيارتنا، لدرجة أنه «اتبهدل معايا»، وبدأت دراسة الدكتوراه بتشجيع من «على»، ولكننى لم أكمل الدراسة، ورجعت إلى مصر بعد 5 سنوات، أى فى 1988، أقمنا فى مصر الجديدة، وعندما أحيل محمود رضا للمعاش فى 1990، قال لى: «يا ميلدا الحقى الفرقة منهارة»، وتوليت مسئولية إدارة الفرقة، وكنت فى أوائل الخمسينات من عمرى، فى الفترة بين 1991 و1993، وكان رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية، عبدالغفار عودة، وكنت لأول مرة أواجه الروتين وجهاً لوجه، واختلفنا معه، ووصلت خلافاتنا للقضاء، وكسبت القضية، ثم تركت الفرقة، حتى محمود رضا وقتها قال لى: «يا ميلدا أنا دبّستك»، فى هذه الفترة الصعبة أصيب على رضا بأزمة صحية، وقتها تركت كل شىء، قلت: «فى داهية كل الدنيا، على تعبان»، وسافرنا إلى باريس، وتوفى «على» فى 1993.

ماذا حدث بعد وفاة على رضا؟

– «محمود» كان مستشاراً للوزارة، وهو منصب شرفى، بعد خروجه للمعاش من وزارة الثقافة، وكان يسافر للتدريس فى الخارج، وأنا من بعد وفاة «على» كنت أسافر على فترات لتدريس الرقص فى الخارج، ولما تعبت أمى قررت أن أجلس وأستقر معها لرعايتها، وهى كانت سيدة عظيمة وغنية بالأفكار المبدعة، وأبى كان عبقرياً، وأمى كانت أهم إنسان عندى فى الدنيا، وكذلك أختى «نديدة»، زوجة محمود رضا، التى رحلت فى سن مبكرة جداً، وكانت تصمم لنا ملابس الفرقة فى فترتها الأولى، بعد رحيل أبى و«على» و«نديدة» قطعت علاقتى بفرقة رضا، ولم يكن يشغلنى سوى رعاية أمى، إلى أن توفيت فى 2001، ورفضت السفر فى البداية، ولكن بعد وفاة أمى بفترة، بدأت السفر مرة أخرى للخارج للتدريس، ودرّست فى البرازيل وتشيلى وروسيا وغيرها من البلاد، كنت أختار المكان الذى يعجبنى للعمل فيه، ولم أكن مستعجلة على الفلوس.

هل يمكن أن تعود فرقة رضا إلى مجدها؟

– فى معظم الفرق الفنية حول العالم، وعندما يرحل مؤسس الفرقة، يكون هناك من خلفه من يكمل المسيرة، ويطور الفن حسب الزمن، ولكن للأسف، وخلال فترة الانفتاح، انتقل عدد من الفنانين أعضاء الفرقة للعمل فى الفنادق والمدن السياحية، يقدمون الرقصات الجاهزة لفرقة رضا، ومنهم من سافر للعمل فى الخارج، وكان السبب اقتصادياً وفنياً، فلم يظهر بعد محمود رضا فنان لديه الموهبة والاستعداد لاستكمال المسيرة على المستوى نفسه.

كيف تأثرتِ بوالدتك الإنجليزية؟

– أمى دخلت الإسلام، وهى سيدة ثرية بالأفكار، وأذكر أننا خلال وجودنا فى أمريكا وأنا أذاكر، فى الثمانينات، كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وقتها ممثلاً لإسرائيل فى الأمم المتحدة، وكانت أمى تشعر بالاستياء عندما تشاهده فى التليفزيون، وكانت تطلق عليه وصفاً يطلقه عليه العامة فى شوارع مصر، وكنت أستغرب ذلك، لأنها تعلمت اللغة العربية جيداً بعد الزواج من أبى، كما كان لها دور فى دعم فرقة رضا، وتصميم الملابس، وتقديم الاستشارات المفيدة.

هل تم توثيق تراث فرقة رضا؟

– تراث فرقة رضا بالكامل تم تصويره وحفظه فى التليفزيون المصرى، لأننا كنا نتبع وزارة الثقافة، وسيبقى فيلم «غرام فى الكرنك» الشىء الوحيد الذى يُذكِّر الناس بنا، فى فترة سيطرة التيار المتشدد على التليفزيون، لم يكن يعرض أى محتوى يتضمن فقرات رقص، كما أن هناك مجموعة كتب كتبها محمود رضا، هى «الرقص والحياة، والرقص حياتى، ومعبد الرقص».

ما أبرز التكريمات التى حصلت عليها الفنانة فريدة فهمى؟

– تم تكريمى فى بداية مشوارى من الرئيس جمال عبدالناصر، وعمرى 24 سنة، ومؤخراً تم تكريمى من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عام 2022، وكان هذا التكريم «حُسن الختام»، وبين التكريمين حصلت على العديد من الأوسمة والتكريمات الرفيعة، منها من الملك حسين ملك الأردن السابق، والرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة، وغيرهم.

ما حقيقة تقديم عرض على الجبهة خلال حرب الاستنزاف؟

– ليس لنا دخل بالسياسة، وخلال حرب الاستنزاف قدّمنا عرضاً على الجبهة، وأذكر أن قدمى احترقت ودخلت المستشفى، بسبب سخونة الأرضية، وكنت أرقص حافية على «الترامبولين»، وهو عبارة عن قماش خيام مشدود بالشمع، وعندما وصلنا الساعة 2 ظهراً، ورقصت أول مجموعة، انزلقت الأرضية من تحت أرجلنا، ونصحونى بخلع الحذاء وأخذت بنصيحتهم، ورقصت حافية، فاحترقت قدمى بسبب الحرارة.

هل أنتِ صاحبة صفحات على مواقع التواصل تحمل اسمك؟

– ليس لى صفحة رسمية على «فيس بوك»، ولا أى من مواقع التواصل الاجتماعى، ولا أعرف الناس أصحاب هذه الصفحات، ولا أعرف سبب ميل البعض إلى الكذب وانتحال اسمى، هناك أمور غريبة ألاحظها هذه الأيام، أجد تشابهاً فى ملابس الرجال والنساء، والعرى زاد جداً، والغطاء زاد جداً، واستخدام اللغة الإنجليزية فى الحياة اليومية شىء شديد الغرابة، وهناك حالة من التنافر الفظيع التى تظهر بين كثير من الناس.

الفرقة والسينما

قدمت فرقة رضا فيلم «إجازة نص السنة» فى أوائل الستينات، وهو أول فيلم من نوعه، فيلم درامى موسيقى راقص متكامل العناصر، والناس أحبت الفيلم وانبهرت به لأنه حقيقى، وهو مجهود أفراد، بإمكانيات صغيرة جداً، يعبر عن طموحات شباب الفرقة آنذاك، وإنتاج أفراد كان بالنسبة لهم مخاطرة، وكانت أيامها أفلام الألوان جديدة، والجميلة ماجدة التى رحبت بمشاركتنا فى الفيلم، وهى نجمة كبيرة، وكذلك الفنان عبدالمنعم إبراهيم، ومع ذلك فإننى مندهشة من عدم شهرة هذا الفيلم بشكل واسع، رغم أنى أعتبره الأهم بالنسبة لى، ثم قدمنا فيلم «غرام فى الكرنك» فى عام 1967، وهو الفيلم المعروف للناس بشكل كبير، وهو العمل الذى سيبقى راسخاً فى أذهان الجمهور ليذكره بإبداعات فرقة رضا.

 





اقرا من المصدر

#الأيقونة #فريدة #فهمي #عروض #فرقة #رضا #الاستعراضية #أضاءت #مسارح #العالم #حوار #تحقيقات #وملفات

اخبار مصر لحظة بلحظة

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *