اخبار مصر
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أحيانًا يا صديقي القارئ تشعر أن هناك حكايات لا تُروى كما هي، بل تُخفى طبقاتها الحقيقية تحت طبقة رفيعة من الخطاب الدبلوماسي. ومن بين تلك الحكايات تبرز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ علاقة تبدو على السطح تحالفًا، لكنها في العمق أشبه بتيار جارف لا يمكن إيقافه، تيار يُغيّر اتجاه القرار الأميركي كما يشاء، حتى صار السؤال مطروحًا في كل مكان: من يقود من؟
فالولايات المتحدة ليست دولة صغيرة يمكن التأثير عليها بسهولة، بل قوة كبرى تملك جيشًا واقتصادًا ونفوذًا غير مسبوق. ومع ذلك يا عزيزي، حين تقترب أكثر من غرفة صناعة القرار، تكتشف أن السياسة الإسرائيلية لا تقف أمام واشنطن كحليف تقليدي، بل كقوة تُعيد تشكيل اختياراتها الخارجية والداخلية عبر شبكات تأثير تمتد من الكونغرس إلى الإعلام، ومن مراكز الأبحاث إلى تمويل الحملات الانتخابية.
البداية لم تكن صدفة، بل كانت جزءًا من مشروع طويل. فقد نجح اللوبي الصهيوني في التغلغل داخل مؤسسات القرار بذكاء لافت، مستخدمًا أدوات لا تعتمد فقط على الضغط المباشر، بل على صناعة بيئة سياسية كاملة تجعل تبنّي الموقف الإسرائيلي هو الخيار الآمن لأي سياسي أميركي. تخيّل معي يا صديقي سياسيًا يدخل الانتخابات بلا دعم مالي، بلا حلفاء، بلا مؤسسات تسانده… مقابل آخر مدعوم بشبكات ضخمة تموّل الحملات وتفتح أبواب الإعلام له. أيهما سينجو؟
ومن هنا تبدأ قصة التحالف الذي لا حدود له. فقد أصبح دعم إسرائيل معيارًا سياسيًا في الولايات المتحدة. المرشح الذي يريد أن يستمر، أو يحلم بالوصول إلى منصب أعلى، يعرف تمامًا أن الوقوف ضد هذه الشراكة يعني النهاية المبكرة. ولذلك تحوّل كثير من السياسيين إلى مجرّد صدى لرؤية تُصاغ خارج مكاتبهم، لا داخلها.
وتخيّل هذا المشهد الذي يتكرّر في واشنطن دون أن يلتفت إليه كثيرون: تقرير يصدر من مركز بحث موّلت أطرافًا داعمة لإسرائيل جزءًا من نشاطه، ثم ينتقل التقرير إلى لجان الكونغرس، ثم يخرج في شكل توصيات سياسية، ثم يتحول فجأة إلى قرار أميركي رسمي. وكأن الخيط يبدأ من جهة… وينتهي عند الدولة الأقوى في العالم دون أن ينقطع لحظة واحدة.
أما الإعلام، فهو السلاح الذي يتقن الجميع استخدامه. فالرواية الأميركية حول الشرق الأوسط تكاد تُكتب بمنطق واحد: إسرائيل دائمًا في موقع «المدافع»، والفلسطيني في موقع «المعتدي»، وأي نقد للسياسة الإسرائيلية يُقدَّم للمتلقي على أنه تهديد لـ«مصالح أميركا». هكذا يُصاغ وعي الشعب، وهكذا تُسهّل الطريق أمام السياسي ليبرّر أي خطوة مهما كانت قاسية.
وفي مرحلة ما بعد العقد الأوّل من الألفية، ظهر التحالف في صورته الأوضح. فقد دفعت الولايات المتحدة ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا ضخمًا في الشرق الأوسط، فقط لتبقى الرؤية الإسرائيلية محورية في سياستها الخارجية. كان القرار الأميركي يبدو وطنيًا في الخطاب، لكنه في الواقع كان انعكاسًا لرغبة لوبي منظم يجيد الضغط، ويجيد صناعة الرأي، ويجيد توجيه القوة العظمى في الاتجاه الذي يريده.
وما يزيد الصورة تعقيدًا يا صديقي أن التحالف لا يقوم على مصالح متبادلة متوازنة، بل على علاقة غير متكافئة؛ أميركا تقدّم المال والسلاح والحماية السياسية، بينما تحصل إسرائيل على دعم غير مشروط، حتى في سياساتها الأكثر إثارة للجدل. والنتيجة؟ تحالف لا يعرف حدودًا، لا في الداخل، ولا في الخارج، ولا حتى في المجال الأخلاقي.
هكذا يصبح السؤال اليوم أكثر إلحاحًا:
هل الولايات المتحدة تحمي إسرائيل لأنها حليف استراتيجي… أم لأنها باتت جزءًا من منظومة تأثير تتحرك داخل واشنطن نفسها؟
التاريخ يا صديقي يميل إلى الإجابة الثانية، لأن التحالف الذي يستمر مهما كانت التكلفة… ليس تحالفًا عاديًا، بل علاقة تُصنع خلف الستار، وتُدار بذكاء، ويصعب على أحد اختراقها.
ويبقى النصّ مفتوحًا للأسئلة الكبرى: من يقود حقًا في هذه الشراكة؟ ومن الذي يبتلع الآخر؟ وهل يمكن لدولة بحجم الولايات المتحدة أن تتخذ قرارًا يتعارض مع الرؤية الإسرائيلية؟ الأسئلة ثقيلة، والوقائع أشد ثقلًا، وكلها تشير إلى أن الإجابة لا تُصنع في واشنطن وحدها، بل في خيوط التأثير التي تتحرك في عمق مؤسساتها بلا توقف.
اقرا من المصدر
#أقوى #شراكة #في #القرن. #كيف #ابتلعت #السياسة #الإسرائيلية #القرار #الأميركي
اخبار مصر لحظة بلحظة

